منهاج الأصول - ج ٣

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٣

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٨

حاله كالشك في عدم كونه منجزا للتكليف بناء على ان التكليف لا يتنجز إلا بالعلم التفصيلي أو بما يقوم مقامه فان ذلك خلاف ما يقتضيه العقل فان العقل حاكم على ان التكليف يتنجز بالعلم الاجمالى كما يتنجز بالعلم التفصيلي لان التكليف يتنجز بالوصول الى المكلف وكما يصل اليه بالعلم التفصيلي يصل اليه بالعلم الاجمالى. نعم وقع الكلام في ان تنجزه بنحو العلة التامة مطلقا أو هو مقتض مطلقا او هو مقتض بالنسبة الى الموافقة وعلة بالنسبة الى المخالفة؟ أقوال اختار الاستاذ في الكفاية انه مقتض لا علة تامة حيث قال ما لفظه : (نعم كان العلم الاجمالى كالتفصيلي في مجرد الاقتضاء لا في العلة التامة فيوجب تنجز التكليف أيضا لو لم يمنع عنه مانع عقلا) واستدل على ذلك بما حاصله انحفاظ رتبة الحكم الظاهري في اطراف العلم الاجمالى فتجري الاصول في الاطراف لكون كل واحد منها مشكوك الحكم وليس هناك أصل يجري في قبال المعلوم لكى يحصل بينها المناقضة.

ودعوى ان جريان الاصول في جميع الأطراف يستلزم الترخيص فيها وذلك يناقض منجزية العلم الاجمالى في واحد منها ممنوعة بان ذلك يكون من قبيل الحكم الظاهرى والواقعي وقد علم في محله انه لا تنافى بينهما ولكن لا يخفى ان ما ذكر من انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري في العلم الاجمالى محل منع فان ذلك يحصل بعد الفراغ عن ان العلم الاجمالى بالنسبة إلى متعلقه مقتض للتنجيز فينحفظ رتبة الحكم الظاهري وإلا لو كان بنحو العلية التامة في التنجيز فلا يمكن انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري لكي يكون مجال لجريان الأصل.

وبالجملة انحفاظ المرتبة لا يستكشف منها الاقتضاء بل بعد الفراغ من

٨١

الاقتضاء تصل النوبة الى مرتبة الحكم الظاهري على ان الاستاذ قد عدل عن ذلك في الحاشية بما حاصله ان المضادة حاصلة من جريان الاصول في المقام لفعلية التكليف في مقام العلم الاجمالي بخلاف مقام الجمع بين الحكم الظاهرى والواقعي فان الحكم الواقعي لم يكن فعليا في مقام الاصول فلذا صح للمولى الاذن في الترخيص ، واما لو كان الحكم الواقعي فعليا كما في المقام فلا يجوز العقل الاذن في الترخيص بل يستقل العقل مع قطعه ببعث المولى أو زجره ولو اجمالا بلزوم موافقته واطاعته. وهذا الذي ذكره في الحاشية من ان العلم الاجمالي علة تامة لثبوت التكليف هو الحق. وبيان ذلك ينبغي التكلم في مقام التصور أولا وفي مقام التصديق ثانيا.

أما التصور فنقول انا نتصور تارة صورة تفصيلية بحيث تكون مرآة للخصوصيات على سبيل التفصيل مثلا نتصور زيدا بماله من الخصوصيات فتكون الصورة التي حصلت في ذهننا منطبقة على شخص واحد بخصوصه لا ازيد ، واخرى تحصل في ذهننا صورة قابلة للانطباق على شخص أو شخصين كما لو تصورنا عنوان أحدهما فعنوان أحدهما قابل للانطباق على زيد أو عمرو ويكون هذا العنوان مرآة للخصوصيات والترديد انما هو في انطباق هذا العنوان على أحد الخصوصيات إذ لا ترديد في الصورة الموجودة في الذهن فان الشيء ما لم يتشخص لم يوجد ولو كان وجودا ذهنيا ، وذكرنا في مباحث الالفاظ ان من هذا الباب الوضع العام والموضوع له خاص ، وثالثة يتصور صورة اجمالية إلا انه بنحو كونها مستقلة ولا نتصورها بنحو المرآتية كالصورة السابقة. مثلا نتصور الحيوان بصورة اجمالية يلحظ مستقلا لا مرآتا الى تلك الخصوصيات ، ومن هذا

٨٢

الباب استصحاب الكلي هذا كله في مقام التصور.

واما مقام التصديق فاعلم ان الفرض الثانى هو كون الصورة الاجمالية ملحوظة بنحو الآلية فاذا انقلب التصور وصار مرتبة عالية بان كان علما وجزما بان تعلق باحدى الخصوصيتين الذي هو عنوان لها فلا اشكال في ان العلم انما تعلق بذلك العنوان الاجمالي ولا يسري الى احدى الخصوصيتين لما نجد بالوجدان من كون الخصوصيتين مشكوكتين فلو سرى اليه العلم لاجتمع العلم والشك في مورد واحد وهو محال بل قد عرفت من مطاوى ما ذكرنا من ان العلم كالحكم فكما ان الحكم لا يتعلق بالخارج لان الخارج ظرف السقوط لا ظرف التعلق بل يتعلق بالصورة التى ترى عين الخارج ومرآة وحاكية عنه فكذلك العلم إذ هو نظيره في انه لا تعلق له بحقيقة الخارج بل بالخارج التنزيلي وهو الصورة التي ترى عين الخارج. نعم فرق بين العلم والحكم ، ان الحكم يتعلق بالصورة المنطبقة على الخارج والعلم يتعلق بالصورة القابلة للانطباق.

وكيف كان فهل تجب الموافقة القطعية كما تحرم المخالفة القطعية أم لا؟ فنقول بعد تنجز العلم الاجمالي فان قلنا بان المتنجز هو خصوص الحاكى وهو الصورة الاجمالية فتنحصر حكومة العقل بحرمة المخالفة القطعية ، وان قلنا ان المنجز الحاكي والمحكي وهي الخصوصيات فتجب الموافقة القطعية كما تحرم المخالفة القطعية.

اما على الاول فلان المنجز هو الصورة الاجمالية التي هى الجامعة لهذين الامرين فحفظ هذه الصورة الاجمالية انما هو باتيان أحدهما وليست مقتضية لاتيان كل واحد من الخصوصيتين إذ ليس المنجز للخصوصيتين حتى يجب اتيانهما

٨٣

معا حفظا للخصوصيتين ، وانما الواجب عدم فوات تلك الصورة الاجمالية والواجب حفظها ولا يجوز انعدامها وحفظها يحصل باتيان احدهما ولا يحتاج الى اتيان كل واحد من الخصوصيتين وبعبارة اخرى المطلوب حفظ تلك الصورة فالذي يوجب انعدامها يجب تركه لا انه يجب اتيان الخصوصيات باجمعها إذ باتيان أحدها انحفظت الصورة ، وليس المطلوب إلا حفظ الصورة.

واما على الثاني فلا بد من الموافقة القطعية لان مراعاة الخصوصيات لا يمكن إلا باتيان جميع اطراف العلم الاجمالي فتجب الموافقة القطعية كما تحرم المخالفة القطعية ولا يرتفع وجوب الموافقة القطعية بجريان الاصل النافى إذ لا موقع لجريانه ولو لم يكن من جهة المعارضة إذ مع تنجز العلم الاجمالى والتنجز انما هو في الخصوصيات فكيف يعقل جريانه إذ جريانه موجب للترخيص بالمعصية وهو لا يصدر من الشارع. ودعوى انه لم يكن ترخيص في المعصية المحققة بل ترخيص في محتمل المعصية وهو لا يضر بجريان الاصل ممنوعة إذ لا يعقل الترخيص في محتمل المعصية كما لا يعقل الترخيص في تحقق المعصية هذا على القول بالعلية. واما ان قلنا بالاقتضاء فالبراءة العقلية تسقط إذ ذلك ليس من قبيل قبح العقاب بلا بيان فان العلم الاجمالي صالح للبيانية لما فيه من الاقتضاء. نعم البراءة الشرعية لا مانع من جريانها لكون موضوعها عدم العلم وهو موجود مع العلم الاجمالى مع انه محل كلام سيأتى في محله إن شاء الله تعالى.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه وقع الكلام في ان العلم الاجمالي هل هو علة تامة لتنجز الحكم الواقعي أو هو مقتض؟ الحق هو الاول لان التنجز من الاوصاف اللاحقة للواقعيات لا انه لاحق للصور المعلومة فان الصور المعلومة

٨٤

ليست حاكية عن خصوص الجامع الحاكى بل الصورة المعلومة حاكية عن الخصوصيات المحكية بالصور المعلومة فيكون المتنجز الواقع المحكي بالصورة فعلى هذا يكون كل واحد من الطرفين محتمل المصادفة للواقع المنجز المحكي بالصورة فاذا احتمل انطباقها امتنع الترخيص لانه يكون من الترخيص في محتمل المعصية وهو محال اذ يكون كالترخيص في تحقق المعصية. ودعوى انه كالظن الذي ثبتت حجيته بدليل الانسداد في انه قد ترد الرخصة في العمل لبعض الظنون كالظن القياسي ممنوعة ، فانه قياس مع الفارق فان الذي ثبت من دليل الانسداد ليس مطلق الظن بل ثبت حجيته معلقة على عدم ورود نهي من الشارع فيكون حاله حال العلم التفصيلي في انه تجب موافقته القطعية كما تحرم المخالفة القطعية والاحتمالية.

ثم لا يخفى انه قد اورد على منجزية العلم التفصيلي بان منجزيته للحكم ما دام العلم باقيا فاذا حصل الشك في اتيان متعلقه ينبغي جريان البراءة مع ان الاصحاب يجرون الاشتغال ، مثلا لو علم في أول الوقت وجوب صلاة الظهر ثم شك في اتيانها بعد ساعة فالاصحاب يجرون قاعدة الاشتغال لأن الشغل اليقينى يستدعي الفراغ اليقينى ، فلو كان العلم التفصيلي مقصورا منجزيته على وجوده لكان المورد من مجاري البراءة ولو ادعي بان العلم التفصيلي منجز في حالتي العلم والشك في الخروج عن العهدة قلنا على هذا امتنع جريان قاعدة الشك بعد الفراغ إذ لا يعقل ان مجرى القاعدة مع تنجز العلم للزوم الترخيص في المعصية. والجواب عن ذلك بانا نختار الشق الثانى ، واما المحذور فنقول ان مفاد الدليل الدال على الترخيص يختلف لسانه فتارة يكون مفاده نفي

٨٥

الاشتغال كاصل البراءة فلا يمكن جريان مثل هذا الأصل لحصول المضادة من جريانه اذ بعد ثبوت الاشتغال كيف يمكن ثبوت نفي الاشتغال ، وان كان مفاده امضاء حكم العقل بالاشتغال بان يكون مفاده انه خرج عن عهدة التكليف إذ بحكم العقل اشتغلت ذمته بالتكليف فلا بد له من مخرج والمخرج اما ان يكون بالقطع بالاتيان بان يأتي بالواقع ، واما ان يكون بمخرج جعلى بان يأتى بما هو بدله فليس هذا اللسان مضادا لحكم العقل بالاتيان وانما هو مقرر لما حكم به القتل وقس على ما ذكرنا العلم الاجمالى فلا تجري الاصول النافية له لحصول المضادة بينهما فان العلم الاجمالي المثبت للتكليف يضاد الاصول النافية للتكليف وتجرى القواعد التي تفيد تقرير حكم العقل لعدم المضادة بين جريانها وبين العلم الاجمالي ولذا قلنا في محله ان بجريان الدليل المثبت أصلا كان أو غيره في اطراف العلم الاجمالي يوجب انحلال العلم الاجمالي وبه يفترق عن العلم التفصيلي فانه بقيام الدليل لا يرتفع العلم التفصيلي إذ لا موقع له إلا في رتبة التطبيق اي مرتبة الامتثال ومع تحققه لا يبقى مجال للشك للعلم باشتغال الذمة وشغل الذمة اليقيني يستدعي الفراغ اليقينى اما بمفرغ حقيقي أو بمفرغ جعلي.

ومما ذكرنا يظهر الاشكال على ما ذكره الاستاذ في الكفاية ما لفظه : (ضرورة ان احتمال ثبوت المتناقضين كالقطع بثبوتهما في الاستحالة فلا يكون عدم القطع بذلك معهما موجبا لجواز الاذن فى الاقتحام بل لو صح معهما الاذن في المخالفة الاحتمالية صح في القطعية).

بيان ذلك ان الترخيص في أحد الأطراف كالترخيص في الجميع إذ على تقدير كون مورد الترخيص هو المعلوم بالاجمال فمعناه ترخيص للمعلوم بالاجمال

٨٦

وذلك موجب للتناقض واحتمال اجتماع المتناقضين كامتناع اجتماعهما علما لو كان الترخيص في جميع الاطراف ولكن لا يخفى ان الاصول منها ما يكون نافية للاشتغال فجريانها موجب لحصول المضادة للعلم الاجمالى فلا تجري حتى في أحد الاطراف إذ احتمال اجتماع المتضادين ممتنع كالعلم وان كان الترخيص يكون من قبيل جعل البدل بمعنى ان الشارع قد اكتفى في مقام الفراغ بأحد المحتملين بنحو يكون فراغا جعليا ويكون حاله حال العلم التفصيلي فيما لو تصرف الشارع في مقام الفراغ كما هو كذلك بالنسبة الى قاعدتي التجاوز والفراغ فان الشارع اكتفى باتيان ما هو ناقص واقعا فلا مانع من الاذن والاقتحام في اطراف العلم الاجمالي إذ ليس ذلك تصرفا في حجية العلم واقتضائه لاشتغال الذمة بل انما هو تصرف في مقام الفراغ بجعل المفرغ التعبدي فيكون إمضاء لمنجزية العلم ولذا قلنا بان جريان مثل ذلك في أطراف العلم الاجمالي موجب لانحلاله.

وبالجملة ان الموجب لكون العلم الاجمالي هو العلية للموافقة القطعية هي الموجبة لكونه علة للمخالفة القطعية ولا وجه للتفكيك بينهما بانه علة للمخالفة القطعية ومقتض بالنسبة الى الموافقة إلا تخيل ان متعلق التكليف الجامع الحاكي عن منشئه بلا سراية الى الخصوصيات فيكون كل واحد من الخصوصيات متعلقا للشك وحينئذ يكون مجرى للاصول إلا أن جريان الاصول في جميع الاطراف موجب للمخالفة القطعية لذا يقتصر على الاتيان ببعض الاطراف وان ذلك هو مقتضى الجمع بين تنجيز الجامع وبين الترخيص في ارتكاب الخصوصيتين فهو نظير الجامع الواقع في حيز الامر مع جواز ترك الخصوصيات التي يتشخص بها

٨٧

الجامع فلا يجوز ترك جميع الخصوصيات حذرا من الوقوع في المخالفة القطعية للتكليف المتعلق بالجامع وبما ان الجامع يحصل ببعض الخصوصيات يكفى الاتيان بواحد منها بلا حاجة الى الاتيان بجميعها لما هو معلوم ان الاتيان ببعضها موجب لسقوط الامر المتعلق بالجامع لتحققه فيه ولكنك عرفت ان ذلك توهم فاسد حيث ان العلم الاجمالى قد تعلق بصورة حاكية لتلك الخصوصيات بنحو لو علم به تفصيلا بوجوب تلك الخصوصيات لكان عين ما تعلق به العلم ولكون انطباقه عليه بتمامه لا يجزئه كما هو كذلك بالنسبة الى الجامع الذي تعلق به الامر والسر في ذلك هو ان متعلق الاحكام الطبيعة بما انها ترى خارجية لا بوصف تعيينها في الخارج إذ قبل ايجادها قد تعلق الطلب بالطبيعة باعتبار ايجادها ويكون تعيينها بحسب ايجادها وبذلك يكون لها قابلية الانطباق على كل واحد من الافراد وليس كذلك بالنسبة الى ما تعلق به العلم الاجمالى فانه قد تعلق بامر موجود في الخارج ومتعين وعدم تعيينه بتردده في انطباقه على احدى الخصوصيتين وليس له قابلية الانطباق على احدى الخصوصيتين إلا احتمالا ولذا قلنا بانه لو انكشف الغطاء يكون المعلوم بالاجمال عين المعلوم بالتفصيل من دون فرق بينهما.

فظهر مما ذكرنا ان العلم الاجمالى كما هو علة تامة للمخالفة القطعية فهو علة تامة لوجوب الموافقة القطعية هذا كله فيما لو علم اجمالا بوجوب شىء أو حرمته ، واما لو دار بين كون شيء اما واجبا أو حراما ، فان كان أحدهما المحتمل تعبديا امكنت المخالفة القطعية فيجب رعايتها وان لم يمكن الموافقة القطعية كما لو اضطر الى احد الاطراف فلا اشكال في عدم وجوب رعاية الموافقة القطعية

٨٨

لعدم امكانها. نعم تجب رعاية المخالفة القطعية باتيان احدهما وترك الآخر فحينئذ تجب رعاية العلم الاجمالى وينتج من ذلك الوجوب التخييري كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

واما اذا لم يكن تعبديا بان كان توصليا فبالنسبة الى الدفعة الاولى المخالفة والموافقة متعذرتان اذ في واقع الامر اما ان يكون متلبسا او تاركا ويكون التخيير هنا عقليا لا شرعيا فان الشرعي على ما تقدم منا سابقا في مباحث الالفاظ هو المنع عن بعض انحاء تروكه وهو لا يكون إلا وان يتصور ان للشىء تركين حتى يكون باحدهما مرخصا بانعدامه والآخر ممنوع منه ، واما في الدفعة الثانية فان ترك في الواقعة الاولى وترك في الواقعة الثانية فهل له ذلك أم لا؟ قيل له ذلك مراعاة لجانب الموافقة القطعية ، وقيل ليس له ذلك مراعاة لجانب المخالفة القطعية بناء على ان العلم الاجمالى بالنسبة الى المخالفة علة تامة وبالنسبة الى الموافقة مقتض موقوف على عدم المنع من الشارع ، ولكن لا يخفى انه لا ربط له بتنجز العلم الاجمالى وباقتضائه.

بيان ذلك ان القدرة انما هي شرط للتكاليف الواقعية فمع عدم تحقق القدرة لا تكليف بحسب الواقع فلو رجحت الموافقة القطعية فلا بد من رفع اليد عن حرمة المخالفة القطعية واذا رفع اليد عنها كان ذلك بحسب المعنى رفع اليد عن التكليف الواقعي ولو رجحت حرمة المخالفة بمعنى انه لو اختار أحدهما تلزم المداومة عليه بحسب الوقائع الأخر حذرا من المخالفة القطعية فلو كان التكليف على خلاف ما اختاره فلا بد من سقوط التكليف عما اختاره بحسب الواقع اذ لو بقى التكليف لزم التكليف بما لا يطاق واما لو توافق ما اختاره مع التكليف الواقعى يبقى

٨٩

الواقع على فعليته وبه يفترق عن الاول فان الاول نقطع بسقوط التكليف الواقعي بخلاف الثاني فانه مشكوك السقوط يحتمل بقاؤه وعدمه. وبالجملة مع عدم القدرة لا بد من رفع اليد من التكليف الواقعي إذ هي شرط تحققه وانتفاء الشرط يوجب انتفاء المشروط وهذا الذي ذكرناه غير مرتبط بمسألة العلية والاقتضاء لأن البحث من هذه الجهة بحث عن وجه المنجزية بعد الفراغ عن وجود التكليف بحسب الواقع ولم تكن العلية شرطا لتحقق التكليف أصلا وانما يتأتى هذا البحث فيما احتمل الترخيص بمناط عدم البيان ولذا تراهم يستدلون باخبار الحل على الترخيص. ومن ذلك يظهر قوة احتمال الاول.

ثم انه يحتمل ترجيح الموافقة القطعية المستلزمة لجواز المخالفة القطعية ولازم ذلك لزوم التخالف بين الواقعتين مثلا في الدفعة الاولى يأتى بالفعل وفي الدفعة الثانية يترك أو بالعكس بتقريب ان العلم الاجمالى بالتكليف يوجب فعلية التكليف فمع دورانه بين محذورين ترتفع الفعلية في الجملة اما بناء على وجوب الموافقة ترتفع فعلية التكليف مطلقا أي على كل تقدير واما بناء على حرمة المخالفة فترتفع الفعلية في صورة المخالفة المأتي به للواقع واما في صورة توافق المأتي به للواقع لا مانع من الالتزام بفعلية التكليف ، فعلى الاول نقطع بان دليل فعلية التكليف الواقعي قد يقيد اطلاقه لانه مما قامت عليه الحجة فلا تجري اصالة الظهور في احراز الاطلاق إذ الاصل انما يجرى في صورة الشك ومع قيام الحجة يرتفع الشك فلا يبقى مجال لجريان الاصل ، وعلى الثاني تكون الفعلية على تقدير دون تقدير فحينئذ يحصل الشك في الفعلية فيكون مورد الجريان اصالة الظهور لتحقق موضوعها وهو السك فيتمسك بالاطلاق في هذه الصورة

٩٠

دون الاولى فيدور الامر بين الالتزام بالتخصص أو التخصيص بلا مخصص ومن الواضح ان الاول هو المقدم ، اللهم إلا أن يقال بانه يلزم من تقديم الموافقة القطعية المستلزمة لجواز المخالفة القطعية المحال وهو انه يلزم من وجوده عدمه لان معنى تقديم الموافقة القطعية لازمه كون التكليف بالواقع فعليا وان جوزنا المخالفة القطعية لا بد من رفع اليد عن فعلية التكليف فالجمع بينهما محال فلزم من البناء على فعلية التكليف عدم فعليته وذلك يلزم من وجوده عدمه وهو باطل ولكن لا يخفى ان الفعلية ليست مرتفعة على كل تقدير بل في خصوص ما يخالف الواقع والمأتي به وجوبيا كان التكليف ام تحريميا ، واما في صورة توافق المأتي به للواقع يكون الواقع على فعليته مثلا لو كان الواقع الوجوب وأتى بالفعل في الدفعة الاولى وترك في الدفعة الثانية فانما ترتفع فعلية التكليف بالنظر الى الواقعة الثانية ، فعلى هذا لا يلزم من فعلية التكليف عدمها لان الخطاب قد تعدد بحسب الوقائع التي كانت محلا للابتلاء وجواز المخالفة انما هي فيما لم يتفق المأتي به مع الواقع هذا غاية ما يمكن الالتزام بترجيح الموافقة القطعية المستلزمة لجواز المخالفة القطعية وينتج من ذلك انه يأتي بالفعل بالواقعة الاولى ويترك في الثانية أو بالعكس بناء على ترجيح التخصص على التخصيص من دون مخصص ولكن لا يخفى ان ذلك مبني على ان الاصول اللفظية كالاطلاق ، بل وكذا الاصول العملية تجري في العناوين الاجمالية كما تجري في العناوين التفصيلية لكي يتم الاستدلال بانا لو قدمنا الموافقة القطعية المستلزمة لجواز المخالفة القطعية فحينئذ لا تجري اصالة الاطلاق لعدم جواز التعبد به للقطع بانتفاء الفعلية فمع تحقق القطع لا مجال لجريان الاصل لانتفاء موضوعه فلا تجري اصالة التعبد باطلاق

٩١

فعليته فيكون تخصصا في دليل الاطلاق بخلاف ما لو عكسنا وقدمنا جانب المخالفة القطعية فان الواقع يكون فعليا في صورة ما لو توافق الواقع مع المأتي به وليس بفعلي في صورة التخالف فتجري قاعدة الاطلاق لتحقق موضوعه وهو الشك في الفعلية فرفع اليد عن الاطلاق في هذا الفرض يحتاج الى دليل وبدونه يكون تخصيصا بلا مخصص وتقييدا بلا مقيد كما في ما نحن فيه ، واما بناء على عدم جريان الاصول في العناوين التفصيلية وتجري في خصوص العناوين الاجمالية كما هو طريقة بعض المحققين تكون كل واقعة يبتلى بها المكلف فيحتمل فعلية التكليف وعدمه فيتحقق موضوع الاصل وهو الشك في فعلية التكليف وعليه لا فرق بين تقديم وجوب الموافقة القطعية أو حرمة المخالفة القطعية فدعوى التفرقة في غير محلها إذ عليه يكون في كل منهما تخصيصه يحتاج الى دليل فاذا كان في الطرفين هذان الاحتمالان فيتعارضان فيتساقطان فيثبت التخيير الاستمراري هذا كله في اثبات التكليف.

المقام الثانى في اسقاط التكليف اى الخروج عن عهدة التكليف فهل يجوز الاكتفاء بالامتثال الاجمالى مع التمكن من الامتثال التفصيلي أولا؟

فنقول اما في التوصليات فلا اشكال في جواز الاكتفاء بالامتثال الاجمالى مع التمكن من الامتثال التفصيلي لسقوط الامر بالاتيان بها باى نحو حصل لعدم اعتبار قصد الطاعة في التوصليات وكذا لا اشكال في الاكتفاء بالامتثال الاجمالى في العبادات مع عدم التمكن من الامتثال التفصيلى لسقوط قصد الطاعة في حال التعذر من غير فرق فيما يستلزم التكرار وعدمه ، وانما الاشكال في العبادات خصوصا اذا استلزم التكرار مع التمكن من الامتثال التفصيلي ولو

٩٢

كان ظنا معتبرا فهل يكتفى بالامتثال الاجمالى ام لا بد من الامتثال التفصيلي؟ قولان قيل بالثاني لعدم الاكتفاء بالامتثال الاجمالى لا خلاله بما يحتمل الاعتبار كنية الوجه والتمييز ، ولا دليل على نفى اعتبارهما ، أما الاطلاق فلا يمكن التمسك به لنفى الاعتبار إذ لا يمكن أخذ نية الوجه في المتعلق لعدم امكان اخذ ما لا يتأتى إلا من قبل الطلب في المتعلق ، ومع عدم امكان أخذها فيه كيف يتمسك باطلاقه لنفي اعتباره ولو كان الاطلاق في مقام البيان ، والى ذلك اشار الشيخ الانصاري (قدس‌سره) بقوله : (وليس هذا تقييدا في دليل تلك العبادة حتى يرفع باطلاقه) واما البراءة فجريانها لنفي اعتباره محل منع إذ جريانها مشروط بما امكن وضعه وقد عرفت ان مثل نية الوجه لا يمكن وضعها فلا يمكن رفعها فمع الشك في اعتبار مثل ذلك فالمرجع قاعدة الاشتغال لرجوع الشك الى الشك في الخروج عن العهدة وشغل الذمة اليقيني يستدعي الفراغ اليقينى.

ولو قلنا بجريان البراءة في الاقل والاكثر الارتباطيين لما عرفت من ان المقام من الشك في الطاعة والعقل يستقل باتيان كلما له الدخل في الغرض والى ذلك أشار الشيخ الانصاري (قده) بقوله : (الاصل عدم سقوط الغرض إلا باتيان كل ما شك في الاعتبار) ولكن لا يخفى انه وان لم يمكن التمسك بالاطلاق اللفظي فيمكن التمسك بالاطلاق المقامي لنفى اعتبار ما شك في اعتباره.

وحاصله ان المولى إذا كان في مقام بيان ما له الدخل في الغرض وسكت عما شك في اعتباره فقد دل على عدم اعتباره على انا ذكرنا سابقا في مبحث التعبدي والتوصلي انه يمكن التمسك باطلاق الخطاب لنفى ما شك في الاعتبار بتقريب ان الانشاء الواحد كما يمكن ان ينحل الى إنشاءات متعددة في عرض واحد

٩٣

يمكن ان ينحل الى انشاءات متعددة طولية بعضها محقق للآخر بان ينحل الى طلبين أحدهما متعلق بذات الفعل والآخر متعلق بالفعل مع الدعوة فحينئذ يمكن التمسك باطلاق الخطاب لنفى ما شك في اعتباره وكون عدم قابلية مثل تلك القيود اعتبارها في المتعلق لا ينافى امكان اخذها في الارادة التى سعتها وضيقها تابعة للمصلحة القائمة بالمتعلق ، وبعبارة اخرى ان المتعلق وان لم يمكن اعتبار هذه الامور فيه حتى يؤخذ باطلاقه إلا انه من ناحية الارادة التابعة للمصلحة القائمة في المتعلق قابل للاطلاق والتقييد فيمكن التمسك باطلاق الخطاب لنفي اعتبار تلك الامور في المصلحة إذ لو كان له الدخل في المصلحة لزم اعتباره في الارادة فيلزم على المولى بيانه باخذه في حيز الخطاب فمن عدم أخذه في حيز الخطاب دل على عدم اعتباره وببيان آخر انه وان لم يمكن أخذ مثل دعوة الامر في المتعلق إلا انه مأخوذة بنحو نتيجة التقييد لان اعتبارها في الغرض يوجب ان يكون المتعلق حصة غير مطلقة ولا مقيدة بل توأم مع القيد لكون سعتها وضيقها يتبع الغرض فمع الشك في اعتبار مثل تلك القيود في الغرض يوجب الشك في سعة المتعلق وضيقه فيمكن لنا التمسك باطلاق الخطاب لعدم اعتباره في الغرض وتكون الحصة حينئذ لها سعة بنحو يشمل حال فقد تلك الامور هذا لو احرز ان المولى في مقام البيان ، واما لو شك في كونه في مقام البيان فلا يمكن التمسك بالاطلاق بجميع اقسامه فيرجع الامر الى الاصول الجارية في المقام ، فقيل يرجع الى البراءة ان كانت القيود يمكن أخذها في المتعلق لتحقق شرط جريان البراءة وهو ان تكون قابلة للوضع تكون قابلة للرفع فيكون المورد حينئذ من باب الاقل والاكثر الارتباطيين بتقريب ان الامر ينبسط على اجزاء

٩٤

المتعلق ومع الشك في تعلق الأمر بالجزء المشكوك يكون من الشك في التكليف وهو مجرى للبراءة ، واما إذا لم يكن أخذ تلك القيود في المتعلق وانها داخلة في الغرض فالشك في اعتبار شيء في الغرض يكون من قبيل الشك في المسقط والخروج عن عهدة التكليف فيكون من الشك في المكلف به ، ومن الواضح انه من موارد قاعدة الاشتغال ولكن لا يخفى انه بناء على ما هو المختار من امكان أخذها بنحو نتيجة التقييد بان يكون لها الدخل في الغرض وهو يوجب ضيقا في المتعلق بنحو يكون المتعلق حصة توأما مع القيد لا مطلقة ولا مقيدة وحينئذ تكون في العهدة نفس تلك الحصة التي هي توأم مع القيد فمع الشك في اعتبار ما له الدخل في الغرض فيشك في كون الذى صار في العهدة هل هو نفس الذات فقط أو الذات التى هي توأم مع القيد فيستقل العقل باتيان ما تم فيه البيان وهو نفس الذات عارية عن القيد واما وجوب اتيان شيء زائد فاصالة البراءة تنفيه فيكون المقام من دوران الامر بين الأقل والأكثر الارتباطيين لا من باب التعيين والتخيير حتى يقال بان العقل مستقل بجريان الاشتغال الحاكم بوجوب الاتيان بالتعيين. هذا وبعض الاعاظم (قدس‌سره) ادعى عدم كفاية الامتثال الاجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي بتقريب ان للطاعة مراتب أربعة طولية الامتثال التفصيلي والامتثال الاجمالى والامتثال الظني والامتثال الاحتمالى ولا تصل النوبة الى الامتثال الاحتمالى الا بعد تعذر الامتثال الظنى وكذا الظني لا تصل النوبة اليه إلا بعد تعذر الاجمالي ، وكذا الاجمالى لا تصل النوبة إلا بعد تعذر التفصيلي ، وعليه بنى بطلان عبادة تاركي طريقى الاجتهاد والتقليد واستدل على ذلك بان حقيقة الاطاعة هو انبعاث العبد نحو بعث المولى

٩٥

بحيث يكون الباعث والمحرك للاتيان بالعمل هو نفس أمر المولى وفي الاجمالى لا يتحقق إذ الباعث للاتيان بكل واحد من الطرفين ليس إلّا احتمال تعلق الأمر وهو وان كان ذلك نحو من الاطاعة إلا انه متأخر بحسب الرتبة عن الامتثال التفصيلي.

وبالجملة العقل يستقل في مقام الاطاعة انه مع التمكن من العلم التفصيلي انه يقدم على الامتثال الاحتمالى لعدم الانبعاث عن امر المولى حينئذ بل ينبعث عن احتمال الامر ومع حصول الشك في تحقق الاطاعة فالمرجع الى قاعدة الاشتغال ثم قال (قده) ان هذا الذى ذكر فيما إذا تردد بين متباينين بنحو يكون الاحتياط مستلزما للتكرار واما اذا لم يستلزم التكرار بان تردد بين الاقل والاكثر كالشك في وجوب السورة أو جلسة الاستراحة فان الأقوى عدم وجوب ازالة الشبهة بالامتثال التفصيلي فانه يكفى في ازالتها بالامتثال الاجمالى مع التمكن منها بالعلم او الاجتهاد لامكان قصد التفصيلي بامتثال الأمر المتعلق بالصلاة مثلا وان لم يعلم بوجوب الجزء المشكوك ولكن لا يخفى انه لا دليل على ما ذكره من طولية المراتب على ان الانبعاث والمحركية في الامتثال الاجمالى ليس هو الاحتمال وانما المحرك فيه هو نفس الأمر (١).

__________________

(١) وببيان آخر ان المحرك بالذات هي الارادة المنقدحة بوجودها في مقام النفس إذ لا يعقل ان يكون المحرك هي مطابقتها لما في الخارج إذ ذلك من الدواعي الذاتية وانما المطابقة من الدواعي العرضية فمع عدم المطابقة يكون الانبعاث عن مجرد التصور ومع المطابقة تكون اطاعة حقيقية تنبعث عن نفس البعث الذهنى إلّا انه بالمطابقة تكون من الداعي العرضي فالاتيان بالمحتملين ينبعث

٩٦

وبالجملة الامر الجزمي في الاجمالى هو المحرك والاحتمال مقدمة لتطبيق ما يدعوه جزما على مورده لا انه يدعو الى الاتيان فعليه يكون المقام من قبيل دوران الامر بين الاقل والاكثر لا من قبيل التعيين والتخيير لكى يقال بوجوب التعيين على ان المتعلق بالكل هو المتعلق بنفس الاجزاء فالمحرك لكل جزء هو الامر الضمنى فعليه بالنسبة الى الجزء المشكوك يكون احتمال الامر النفسي لا نفس الأمر. وبالجملة لا فرق بين ما استلزم التكرار وعدمه فما ذكر من التفصيل محل منع وليس في البين غير احتمال اعتبار نية الوجه في الامتثال وقد عرفت انها غير معتبرة للاطلاق المقامي بل واطلاق الخطاب ومع الشك فالمرجع البراءة.

فانقدح مما ذكرنا علية العلم الاجمالى لتنجز التكليف بالنسبة الى الموافقة القطعية كما هو علة بالنسبة الى المخالفة القطعية بنحو لا تجري الاصول في اطرافه ولو كانت غير معارضة إلا بنحو جعل البدل فتكون جارية في مقام الفراغ كما تجري في مقام الفراغ من التكليف المنجز بالعلم التفصيلي إذ للشارع التصرف في مقام الفراغ بان يجعل مفرغا تعبديا شرعيا كما هو قضية قاعدتي التجاوز والفراغ ، فعليه يجب الاتيان بجميع أطراف العلم الاجمالى لتنجز التكليف به من غير فرق

__________________

عن شخص البحث على ان انطباق عنوان الانقياد نحو امر المولى من العناوين ـ الحسنة المنطبقة على كل واحد من المحتملين من دون دخل للتمكن من الامتثال وعدمه إذ من الواضح ان عنوان التمكن من الامتثال التفصيلي لا يوجب قبح الامتثال الاجمالى ولا عدم التمكن يوجب حسنه مضافا الى ان الانبعاث تفصيلا ان احتمل دخله في الامتثال فيمكن رفعه بالبراءة لو لم يمكن التمسك له بالاطلاق وان لم يحتمل دخله فحينئذ يقطع بسقوط الغرض بمجرد الموافقة الاجمالية فمع القطع بالسقوط لا يوجب التمسك بالاشتغال كما لا يخفى.

٩٧

بين أن يكون المعلوم بالاجمال عنوانا معينا كالعلم الاجمالى المتعلق بنجاسة أحد الإناءين أو بين عنوانين مختلفي الحقيقة كالعلم الاجمالى المتعلق بنجاسة هذا الاناء أو غصبيته لوجود مناط حكم العقل بالتنجز في الصورتين ، فان ملاكه هو العلم بالالتزام المولوى بلا دخل للخصوصية فاذا لم يكن في كشفه عن الالتزام المولوي قصور فيتحقق موضوع حكمه بالاشتغال.

ودعوى ان حرمة التصرف في الغصب منوطة بالعلم لا من لوازم الغصب الواقعي فلا يحدث حينئذ التكليف الفعلي على كل تقدير لفرض ان التكليف بحرمة التصرف الغصبي معلق على العلم بالغصبية وحيث لا علم فلا حرمة بالتصرف الغصبي ، واما النجاسة فانها وان كانت شرطا واقعيا إلا انه من الشك البدوى الذي هو مجرى البراءة ممنوعة بمنع تعليق حرمة الغصب على العلم بل الغصبية من الشرائط الواقعية كالنجاسة (١) ولا ينافى كون المكلف تصح صلاته مع الجهل

__________________

(١) ظاهر الاصحاب ان الغصب شرط علمي بخلاف النجاسة فانها شرط واقعي فحينئذ لم يعلم بتوجه خطاب لا تغصب ، فيبقى خطاب اجتنب عن النجاسة ينفى بالاصل فتجري اصالة الطهارة فعليه يصح الوضوء بهذا الماء ولكن لا يخفى انه بالنسبة الى شرب هذا الماء لا يجوز للعلم بانه اما نجس أو مغصوب من غير فرق بين كون النجاسة والغصبية من الجهات التعليلية او من الجهات التقييدية غاية الامر انه على الاول تكون الحرمة معلومة بالتفصيل ، وعلى الثاني تكون الحرمة معلومة بالاجمال هذا بناء على ان العلم الاجمالى علة تامة للتنجيز فواضح ، واما بناء على ان منجزيته لأجل تعارض الاصول وتساقطها.

فنقول بناء على جريان اصالة الحرمة في الاموال فواضح انه لا يجوز شرب الماء كالسابق لانحلال العلم الاجمالى باعتبار جريان الاصل المثبت في طرف

٩٨

بالغصبية إذ ذلك معذور في حال الجهل لاشتمال الماتى به على المصلحة لعدم تأثير

__________________

والنافى وهو قاعدة الطهارة في الطرف الآخر وكذا لا يجوز الشرب لو قلنا بجريان اصالة الحل في الاموال لتعارض اصالة الحل مع اصالة الطهارة فيتساقطان فلم يكن لنا مسوغ لجواز الشرب.

وبالجملة لا يجوز الشرب على جميع المبانى ، واما بالنسبة الى الوضوء فبناء على انحلال العلم الاجمالى بجريان اصالة الحرمة في الاموال فلا يجوز التوضؤ بالماء المشكوك نجاسته وغصبيته لأجل حرمة التصرف ، واما بناء على جريان اصالة الحل وعدم جريان اصالة الحرمة في الاموال فان قلنا بان سقوطها بالمعارضة مع اصالة الطهارة بالنسبة الى الشرب يوجب سقوطها بالنسبة الى بقية الآثار التي منها الوضوء فلا يجوز التوضؤ من هذا الماء واما بناء على ان المعارضة كانت بالنسبة الى الشرب ولا يلزم من بالنسبة الى الشرب السقوط بالنسبة الى بقية الآثار فحينئذ لا بد من ملاحظة اصالة الحل مع قاعدة الطهارة في بقية الآثار كالوضوء فهل تحصل معارضة بين اصالة الحل وبين اصالة الطهارة بالنسبة اليه ربما يقال بحصول المعارضة إذ بجريانهما تلزم المخالفة القطعية ولازم ذلك التساقط فلا يحصل شرط صحة الوضوء من اباحة الماء وطهارته اللهم إلا ان يقال انه من شرائط تأثير العلم الاجمالى في التنجيز ان يكون كل واحد من طرفيه على تقدير كونه هو المعلوم بالاجمال تكليفا الزاميا على نحو لو جرت الاصول تكون مخالفة قطعية للتكليف الالزامي المعلوم وجوده بين الاطراف ولا يختص ما ذكر من الشرط بمن يقول بان منجزيته لأجل التعارض الموجب للتساقط بل يلتزم به حتى من يقول بانه علة تامة للتنجيز لا من جهة التعارض فما نحن فيه لم يتحقق فيه هذا الشرط اذ الغصبية ولو كانت ذا تكليف الزامي الذى هو وجوب الاجتناب إلّا ان الطرف الآخر وهو النجاسة ليس له اثر إلا فساد الوضوء وليس ذلك بتكليف الزامي وانما هو حكم وضعى لم يستتبع

٩٩

المفسدة الغالبة بناء على الامتناع وتغليب جانب المفسدة لأجل معذورية الجاهل وكيف كان فيجب ملاحظة العلم الاجمالى بعد ان عرفت انه علة في مقام

__________________

التكليف الالزامى كما هو كذلك بالنسبة الى الغصبية فعليه لا يكون العلم الاجمالى المردد بين نجاسة الماء وغصبيته مؤثرا في التنجز لكي لا يجوز الوضوء بل القول بجواز الوضوء من هذا الماء لا محذور فيه لقاعدة الطهارة ولا يعارضها اصالة الحل من جهة احتمال الغصبية إذ لا يلزم من الجمع بينهما مخالفة قطعية لتكليف منجز اذ اقصى ما يلزم فساد الوضوء لو صادف كونه نجسا وهو ليس بحكم تكليفى فلم يبق إلا احتمال حرمة الوضوء لاجل الغصبية وبجريان اصالة الحل لا يكون التصرف في الوضوء حراما.

ودعوى (انه يوجد تكليف الزامي من جهة النجاسة وهو الامر بوجوب الوضوء أو بوجوب الوضوء من ماء آخر فمع التعارض والتساقط لا يجوز الوضوء من هذا الماء ممنوعة) بان هذا التكليف سابق على العلم الاجمالى كما ان الوجوب الشرطى الذى هو طهارة ماء الوضوء الذى مرجعه الى ان وجوب الوضوء بالماء الطاهر الذى هو موجود قبل العلم وبعده فانه قبل الابتلاء بهذا الماء كان يجب عليه ان يتوضأ بماء طاهر وكذا بعد ابتلائه فعند الابتلاء لم يحدث عنده إلا احتمال تكليف بالاجتناب لاحتمال كونه مغصوبا فلا يكون هذا العلم الاجمالى محدثا لتكليف على كل تقدير فلذا لا يكون منجزا لما هو معلوم ان تنجيزه فيما اوجب تكليفا الزاميا على كل تقدير.

ودعوى (انحلال العلم الاجمالى لاجل جريان الاصل المثبت وهو استصحاب بقاء الامر وبقاء الحدث فيفسد الوضوء فيرجع في الطرف الآخر الى البراءة بعد سقوط اصالة الحل واصالة الطهارة للمعارضة فيجوز حينئذ التصرف ممنوعة) بان الاصول اذا كانت في مرتبة واحدة وحصلت المعارضة

١٠٠